الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الهداية على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه
.باب المُضَارَبَةِ: فالصَّحِيْحُ: أَنْ يُضَارِبَهُ عَلَى أَنْ لاَ يَتَّجِرَ إلاَّ في البَزِّ أَو البُرِّ، أو عَلَى أَنْ لا يَبِيْعَ ويَشْتَرِيَ إِلاَّ بِبَغْدَادَ، أَو لاَ يَبِيْعَ إلاَّ مِنْ فُلاَنٍ، أو لاَ يُسَافِرَ بِالمَالِ. والفَاسِدُ: أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى المُضَارِبِ ضَمَانَ المَالِ ـ أَو سَهْمٍ مِنَ الوَضِيْعَةِ، أَو تَوْلِيَةَ مَا يَخْتَارُهُ مِنَ السِّلَعِ، أو أَنْ يُرْتَفَقَ بالسِّلَعِ المُشْتَرَاةِ فَيَلْبَسَ الثَّوْبَ ويَرْكَبَ الدَّابَّةَ ويَسْتَخْدِمَ العَبْدَ، أَو يَشْتَرِطَ المُضَارِبُ عَلَى رَبِّ المَالِ أَنْ لاَ يُعَيِّنَ لَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، فَهَذِهِ شُرُوطٌ فَاسِدَةٌ، وهَلْ تُبْطِلُ العَقْدَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ شَرَطَا تَأْقِيْتَ المُضَارَبَةِ فَسَدَتْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لاَ تَفْسُدُ، فَإِنْ دَفَعَ إِلَيْهِ عُرُوضاً فَقَالَ: بِعْهَا وضَارِبْ بِثَمَنِهَا، أو اقْبِضْ وَدِيْعَتِي وضَارِبْ بِهَا، أو إِذَا قَدِمَ الحَاجُّ فَضَارِبْ بِهَذِهِ الأَلْفِ صَحَّ العَقْدُ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ رَبُّ المَالِ مَعَهُ لَمْ يَصِحَّ العَقْدُ، فَإِنْ شَرَطَ عَمَلَ غُلاَمِ رَبِّ المَالِ مَعَهُ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، وعَلَى العَامِلِ أَنْ يَتَوَلى بِنَفْسِهِ مَا جَرَتِ العَادَةُ بِهِ أَنْ يَتَوَلاَّهُ مِنْ نَشْرِ الثَّوْبِ وطَيِّهِ وقَبْضِ الثَّمَنِ واِنْتقَادِهِ وخَتْمِ الكِيْسِ وإِحْرَازِهِ، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَالأُجْرَةُ عَلَيْهِ خَاصَّةً، وأَمَّا مَا جَرَتِ العَادَةُ أَنْ يَسْتَنِيْبَ فِيهِ مِنْ حَمْلِ المَتَاعِ والنِّدَاءِ عَلَيْهِ فَلَهُ أنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَفْعَلُهُ مِنْ مالِ المُضَارَبَةِ، فَإِنْ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الأُجْرَةَ، فهَلْ لَهُ ذَلِكَ، عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وكُلُّ مَا جَازَ لأَحَدِ الشَّرِيْكَيْنِ فِعْلُهُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الشِّرْكَةِ جَازَ للمُضَارِبِ فِعْلُهُ بِمُطْلَقِ المُضَارَبَةِ، ومَا لَيْسَ للشَّرِيْكِ فِعْلُهُ إِلاَّ بِإِذْنِ شَرِيْكِهِ، فَلَيْسَ للمُضَارِبِ فِعْلُهُ إِلاَّ بِإِذْنِ رَبِّ المَالِ، فَإِنْ تَعَدَّ المُضَارِبُ بِفِعْلِ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ وخَالَفَ مَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ المَالِ إِنْ تَلِفَ، فَإِنْ تَصَرَّفَ وظَهَرَ في المَالِ رِبْحٌ فَهُوَ لِرَبِّ المَالِ، وهَلْ يَسْتَحِقُّ المُضَارِبُ الأُجْرَةَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: لاَ أُجْرَةَ لَهُ. والثَّانِيَةُ: لَهُ الأَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ المِثْلِ، أو مَا شَرَطَهُ لَهُ مِنَ الرِّبْحِ، ونَقَلَ حَنْبَلٌ: إِذَا خَالَفَ ورَبَحَ لَمْ يَكُن الرِّبْحُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ويَتَصَدَّقَانِ بالرِّبْحِ، فَإِنِ اشْتَرَى المُضَارِبُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ المَالِ صَحَّ الشِّرَاءُ وعَتَقَ، ويَلْزَمُ المُضَارِبَ الضَّمانُ، وَفِي قَدَرِهِ رِوَايَتَانِ: أحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ الذي اشْتَرَاهُ بِهِ. والثَّانِيةُ: القِيْمَةُ، وسَوَاءٌ عَلِمَ أَو لَمْ يَعْلَمْ عَلَى ظَاهِرِ كَلاَمِهِ في رِوَايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ. وَقَالَ أبو بَكْر: يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ إِنْ كَانَ عَالِماً بِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وإِنْ كَانَ جَاهِلاً بِذَلِكَ فَلا شَيءَ عَلَيْهِ، وكَذلِكَ الحُكْمُ في المَأْذُونِ إِذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى السَّيِّدِ، وكَذلِكَ إِنِ اشْتَرَى زَوْجَةَ رَبِّ المَالِ صَحَّ الشِّرَاءُ وانْفَسَخَ النِّكَاحُ، فَإِنِ اشْتَرَى المُضَارِبُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ صَحَّ الشِّرَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ في المالِ رِبْحٌ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ، وإِنْ كَانَ في المَالِ رِبْحٌ فهَلْ يَعْتِقُ؟ ينَبْنِي عَلَى العَامِلِ هَلْ يَمْلُكُ الرِّبْحَ بالظُّهُورِ أو بالقِسْمَةِ؟ وفِيْهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَمْلِكُ بالظُّهُورِ، ويُجْزِئُ في حَقِّ الزَّكَاةِ، فَعَلَى هذِهِ الرِّوَايَةِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ. والرِّوَايَةُ الأُخْرَى: لاَ يُمَلَّكُ إِلاَّ بِالقِسْمَةِ، فَعَلَى هذِهِ لاَ يُعْتَقُ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لاَ يُعْتَقُ، وإِنْ قُلْنَا قَدْ مَلَكَ. لأنَّهُ مِلْكٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٌّ، وَلَيْسَ للمُضَارِبِ أَنْ يُضَارِبَ لِرَجُلٍ آخَرَ إِذَا كَانَ في ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الأَوَّلِ، فَإِنْ فَعَلَ وَرَبَحَ رَدَّهُ في شِرْكَةِ الأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِرَبِّ المَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ المُضَارَبَةِ شَيْئاً في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وكَذلِكَ الحُكْمِ في السَّيِّدِ مَعَ عَبْدِهِ المَأْذُونِ. فَأَمَّا أَحَدُ الشَّرِيْكَيْنِ إِذَا اشْتَرَى مِنْ مَالِ الشِّرْكَةِ بَطَلَ في مِقْدَارِ حَقِّهِ، وهَلْ يَصِحُّ في حِصَّةِ شَرِيْكِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ في تَفْرِيْقِ الصَّفْقَةِ. ويَتَخَرَّجُ عَلَى المُضَارَبَةِ: أَنْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ في الجَمِيْعِ، ويَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ السَّيِّدُ مِنْ مُكَاتِبِهِ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، ونَفَقَةُ المُضَارِبِ في مَالِ نَفْسِهِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى صَاحِبِ المَالِ، وسَوَاءٌ كَانَ حَاضِراً أَو مُسَافِراً، فَإِنْ شَرَطَ لَهُ ذَلِكَ وأَطْلَقَ وَلَمْ يُقَدِّرْ فَلَهُ جَمِيْعُ نَفَقَتِهِ مِنْ مَأْكُولٍ ومَلْبُوسٍ بالمَعْرُوفِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا في ذَلِكَ رَجَعَ القُوتُ إِلى الإِطْعَامِ في الكَفَّارَةِ، وَفِي الكِسْوَةِ إلى أَقَلِّ مَلْبُوسٍ مِثْلِهِ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَتَسَرَّى مِنْ مَالِ المُضَارَبَةِ فَاشْتَرَى أَمَةً خَرَّجَ الثَّمَنَ عَلَى المُضَارَبَةِ وصَارَ قَرْضاً في ذِمَّتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بنِ بخْتَانَ، وإِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفَيْنِ مُضَارَبَةً فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ القَبْضِ انْفَسَخَتْ فِيهِ المُضَارَبَةُ، وَكَانَ تَلَفُهُ مِنْ رَأْسِ المَالِ، فَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ التَّصَرُّفِ، مِثْلُ أنِ اشْتَرَى بِكُلِّ أَلْفٍ ثَوْباً فَتَلِفَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ كَانَ مِنَ الرِّبْحِ، وَلَمْ تَنْفَسِخِ المُضَارَبَةُ، فَإِنِ اشْتَرَى المُضَارِبُ سِلْعَةً في الذِّمَّةِ فَتَلِفَ مَالُ المُضَارَبَةِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وبَعْدَ الشِّرَاءِ فَعَلَى رَبِّ المَالِ ثَمَنُ المُضَارَبَةِ بِحَالِهَا، وإِنْ تَلِفَ قَبْلَ الشِّرَاءِ انْفَسَخَتِ المُضَارَبَةُ ولَزِمَ العَامِلَ الثَّمَنُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: إِنْ أَجَازَ رَبُّ المَالِ الشِّرَاءَ فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ، وإِنْ لَمْ يُجِزْه فَهُوَ عَلَى العَامِلِ. وإِذَا اخْتَلَفَ المُتَقَارِضَانِ في المُشْتَرَى فَالقَوْلُ قَوْلُ العَامِلِ فِيْمَا يَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أو للمُضَارَبَةِ فِيْمَا يَدَّعِي مِنْ هَلاَكِ، ومَا يُدَّعَى عَلَيْهِ من جِنَايَةٍ، وكَذلِكَ القَوْلُ قَوْلُهُ في مِقْدَارِ رَأْسِ المَالِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا في رَدِّ المَالِ فالمَنْصُوصُ أنَّ القَوْلَ قَوْلُ رَبِّ المَالِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ القَوْلُ قَوْلُ العَامِلِ عَلَى قِيَاسِ الوَصْيِ أنَّ القَوْلَ قَوْلُهُ في دَفْعِ المَالِ إلى اليَتِيْمِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا في قَدَرِ الرِّبْحِ، فَالقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ المَالِ، وَعَنْهُ: أنَّ العَامِلَ إِنِ ادَّعَى قَدَرَ أُجْرَةِ المِثْلِ أَو زِيَادَةً بِمَا يَتَعَايَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهَا فَالقَوْلُ قَوْلُهُ، وإِنِ ادَّعَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ أُجْرَةُ المِثْلِ، فَإِنِ ادَّعَى العَامِلُ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَبِيْعَ نَسِيْئاً وأَنْكَرَ رَبُّ المَالِ، فَالقَوْلُ قَوْلُ العَامِلِ، وكَذلِكَ في جَمِيْعِ التَّصَرُّفَاتِ. فَإِنْ أَقَرَّ المُضَارِبُ أَنَّهُ رَبِحَ أَلْفاً، ثُمَّ قَالَ: غَلَطْتُ أَو أنسِيْتُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، ولِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ المُتَقَارِضَيْنِ فَسْخُ القِرَاضِ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أو جُنَّ انْفَسَخَ العَقْدُ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفَسِخْ. وإِذَا انْفَسَخَ القِرَاضُ والمَالُ عَرْضٌ، فَإِنْ رَضِيَ رَبُّ المَالِ أَنْ يَأْخُذَ بمَالِهِ عَرْضاً كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وإِنْ طَلَبَ البَيْعَ فَلَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ القِرَاضُ بِحَالَهِ، والمَالُ عَرْضٌ وطَلَبَ العَامِلُ بَيْعَهُ وأَبَى رَبُّ المَالِ فَقَالَ في رِوَايَةِ مَنْصُورٍ: إِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ أُجْبِرَ صَاحِبُ المالِ عَلَى البَيْعِ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ لَمْ يُجْبَرْ، فَإِنْ كَانَ المَالُ دَيْناً لَزِمَ العَامِلُ أَنْ يَتَقَاضَاهُ سَوَاءٌ ظَهَرَ فِيهِ الرِّبْحُ أو لَمْ يَظْهَرْ، وكَذلِكَ الحُكْمُ إِذَا انْفَسَخَ القِرَاضُ والمالُ دَيْنٌ. وإِذَا قَارَضَ في المَرَضِ اعتُبِرَ الرِّبْحُ مِنْ رَأْسِ المَالِ، وإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَةِ المِثْلِ، فَإِنْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ دُيُونٌ قَدَّمَ حِصَّةَ العَامِلِ عَلَى سَائِرِ الغرماء، فَإِنْ مَاتَ المُضَارِبُ وَلَمْ تُعْرَف المُضَارَبَةُ بِعَيْنِهَا فَإِنَّهَا تَصِيْرُ دَيْناً عَلَيْهِ، وكَذلِكَ الوَدِيْعَةُ، وكُلُّ مَنْ قُلْنَا القَوْلُ قَوْلُهُ فَلِخَصْمِهِ عَلَيْهِ اليَمِيْنُ. .باب المُسَاقَاةِ والمُزَارَعَةِ: .باب المُزَارَعَةِ: وحُكْمُ المُزَارَعَةِ حُكْمُ المُسَاقَاةِ فِيْمَا يَلْزَمُ العَامِلَ ورَبَّ الأرْضِ، وَفِي كَوْنِ العَقْدِ جَائِزاً أو لاَزِماً، وَفِي اخْتِلاَفِهِمْ في الجُزْءِ المَشْرُوطِ والجِنَايَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ. والحَصَادُ في المُزَارَعَةِ عَلَى العَامِلِ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ عَلَيْهِمَا كَالجُذَاذِ في المُسَاقَاةِ. وإِذَا كَانَتْ الأَرْضُ لِشَرِيْكَيْنِ فَنَازَعَ أَحَدُهُمَا شَرِيْكَهُ، فَهَلْ تَصِحُّ؟ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ أَرْضٌ ولآخَرِ مَاءٌ، فَقَالَ صَاحِبُ الأَرْضِ: أَنَا أَزْرَعُ الأَرْضَ بِبَذْرِي وعَوَامِلِي عَلَى أَنَّ سَقْيَهَا مِنْ مَائِكَ، والزَّرْعُ بَيْنَنَا، صَحَّ ذَلِكَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي الأُخْرَى: لاَ يَصِحُّ، واخْتَارَهَا شَيْخُنَا، فَإِنْ قَالَ: أَنَا أُزَارِعُكَ هذِهِ الأَرْضَ بالنِّصْفِ عَلَى أَنْ أُزَارِعَكَ الأُخْرَى بالرِّبْعِ لَمْ تَصِحَّ المُزَارَعَةُ، وكَذلِكَ الحُكْمُ في المُسَاقَاةِ، فَإِنْ دَفَعَ إِلَيْهِ أَرْضاً، فَقَالَ: مَا زَرَعْتَ مِنْها مِنْ حِنْطَةٍ فَلِي ثُلُثُهُ، ومَا زَرَعْتَهُ مِنْ شعيرٍ فَلِي نِصْفُهُ، ومَا زَرَعْتَهُ مِنْ بَاقِلاَّءَ فَلِي ثُلُثَاهُ، فَالعَقْدُ فَاسِدٌ عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنْ قَالَ عَلَى: إنْ زَرَعْتَهَا حِنْطَةً فَلِي ثُلُثُهَا، وإنْ زَرَعْتَهَا شَعِيْراً فَلِي نِصْفُهُ، وإِنْ زَرَعْتَهَا بَاقِلاَّءَ فَلِي ثُلُثَاهُ، احْتُمِلَ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ في الإِجَارَةِ: إِنْ خِطْتَهُ رُوْمِيّاً فَلَكَ دِرْهَمٌ، فَإِنْ خِطْتَهُ فَارِسِيّاً فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، ولاَ فَرْقَ في جَمِيْعِ مَا ذَكَرْنَا بَيْن الأَرْضِ البَيْضَاءِ وبَيْنَ الأَرْضِ بَيْنَ النَّخِيْلِ. .كِتَابُ الإِجَارَةِ: وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: - مُتَعَلِّقَةٌ بالذِّمَّةِ كالاسْتِئْجَارِ لِتَحْصِيْلِ خِيَاطَةٍ أو بِنَاءٍ أو حَمْلِ شَيءٍ مِنْ مَكَانٍ إلى مَكَانٍ، فَهَلْ يَلْزَمُ الوَفَاءُ بِهَا عَلَى شَرَائِطِهَا كَالسَّلَمِ. - ومُتَعَلِّقَةٌ بالعَيْنِ كَاسْتِئْجَارِ الدَّارِ للسُّكْنَى والدَّابَّةِ للرُّكُوبِ والإِنْسَانِ للخِدْمَةِ فَيَلْزَمُ الوَفَاءُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ العَيْنِ وإِمْكَانِ الانْتِفَاعِ بِهَا، فَإِنْ تَلِفَتِ العَيْنُ انْفَسَخَتِ الإِجَارَةُ فِيْمَا بَقَى مِنَ المُدَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ دَاراً فَانْهَدَمَتْ أو أَرْضاً للزَّرْعِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا انْفَسَخَتِ الإِجَارَةُ فِيْمَا بَقِيَ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخر: يَثْبُتُ للمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الفَسْخِ، فَإِنْ وَجَدَهَا مَعِيْبَةً أو حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ فَلَهُ الفَسْخُ، فَإِنْ فَسَخَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى، فَإِنْ غُصِبَتِ العَيْنُ حَتَّى انْقَضَتِ مُدَّةُ الإِجَارَةِ فَهُوَ بالخِيَارِ بَيْن دَفْعِ الإِجَارَةِ المُسَمَّاةِ ومُطَالَبَةِ الغَاصِبِ بِأُجْرَةِ المِثْلِ وبَيْنَ فَسْخِ الإِجَارَةِ، ويُتَخَرَّجُ انْفِسَاخُ العَقْدِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُوْلُ: إِنْ مَنَافِعَ الغَصْبِ لاَ تُضْمَنُ، فَإِنْ هَرَبَ المَعْقُودُ عَلَيْهِ والإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ مِثْلُ: خِيَاطَةِ قَمِيْصٍ أو بِنَاءِ دَارٍ ثَبَتَ لَهُ الخِيَارُ بَيْنَ الفَسْخِ وبَيْنَ البَقَاءِ إلى أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ فَيُطَالِبُهُ بالعَمَلِ، فَإِنْ كَانَتْ الإِجَارَةُ عَلَى مُدَّةٍ فَانْقَضَتْ في هَرَبِهِ خُرِّجَ عَلَى الوَجْهَيْنِ في الغَاصِبِ. ولاَ يَصِحُّ عَقْدُ الإِجَارَةِ عَلَى مَنَافِعَ عَيْنٍ لا يمكن اسْتِيفَاءِ المَنْفَعَةِ مِنْها مِثْلُ: أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضاً للزِّرَاعَةِ سَبْخَةً لاَ تُنْبِتُ، أَو لاَ مَاءَ لَهَا، أَو لَهَا مَاءٌ لاَ يَدُومُ لِمُدَّةِ الزَّرْعِ، أَو دَابَّةً للرُّكُوبِ وَهِيَ زَمِنَةٌ ولاَ تَصِحُّ إلاَّ عَلَى عَيْنٍ مَعْلُومَةٍ بِرُؤْيَةٍ أَو صِفَةٍ في أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ، ويَصِحُّ في الآخَرِ. وللمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، كَقَوْلِنَا في شِرَاءِ الأَعْيَانِ الغَائِبَةِ، ولاَ يَصِحُّ إِلاَّ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةِ القَدَرِ إِمَّا بالزَّمَانِ كَسُكْنَى شَهْرٍ وخِدْمَةِ سَنَةٍ، أو بالعَمَلِ كَالإِجَارَةِ عَلَى بِنَاءِ دَارٍ، أَو خِيَاطَةِ قَمِيْصٍ، أَو الرُّكُوبِ إلى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ شَرَطَ تَقْدِيْرَ العَمَلِ والزَّمَانِ فَقَالَ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَبْنِيَ لي هذِهِ الدَّارَ في شَهْرٍ لَمْ تَصِحَّ، ويَجُوزُ عَقْدُ الإِجَارَةِ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ يَجُوزُ بَقَاءُ العَيْنِ فِيْهَا وإِنْ طَالَتْ، ولاَ يَجُوزُ عَلَى مُدَّةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ كَقَوْلِهِ:أَجَرْتُكَ سَنَةً أو شَهْراً، فَإِنْ قَالَ: أَجَرْتُكَ هذِهِ العَيْنَ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا، لَمْ يَصِحَّ العَقْدُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، ويَصِحُّ في الأُخْرَى، وكُلَّمَا دَخَلاَ في شَهْرٍ لَزِمَهُمَا حُكْمُ الإِجَارَةِ فِيهِ، فَإِنْ فسخ أَحَدُهُمَا عقيب الشَّهْر انْفَسَخَتْ، فَإِنْ أَجَرَهُ شَهْرَ رَمَضَانَ فَهُوَ في رَجَبٍ، أو سَنَةَ خَمْسٍ ويَكُونُ سَنَةَ أَرْبَعٍ صَحَّ العَقْدُ، فَإِنْ أَجَرَهُ عَيْناً شَهْراً فَسَلَّمَها إِلَيْهِ لِصِفَةِ أو مَنْفَعَةٍ مِنْها بَقِيَّةُ الشَّهْرِ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ أُجْرَةَ مَا سَلَّمَهُ إِلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وتَفْتَقِرُ صِحَّةُ الإِجَارَةِ إلى مَعْرِفَةِ المَنْفَعَةِ إِمَّا بالعُرْفِ كَسُكْنَى دَارٍ أو لُبْسِ قَمِيْصٍ ومَا أَشْبَهَهُ، أو بالوَصِفِ كَقَوْلِهِ: لِتَحْمِلَ لي زُبْرَةَ حَدِيْدٍ وَزْنُهَا كَذَا إلى مَوْضِعِ كَذَا أو لِتَبْنِيَ لي حَائِطاً طُوْلُهُ كَذَا وعرْضُهُ كَذَا وعُلُوُّهُ كَذَا بِلَبِنٍ وطِيْنٍ أو آجُرٍ وطِيْنٍ، أو أَجَرْتُكَ هذِهِ الدَّارَ لِنَزْرَعَ فِيْهَا كَذَا وكَذَا وما أشْبَهَهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يَدْخُلُهُ الوَصْفُ كَالمِحْمَلِ والرَّاكِبِ ومَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ الأَغْطِيَةِ والأَوْطِيَةِ لَمْ يَمُرَّ حَتَّى يَرَى ذَلِكَ وجَمِيْعَ مَا يحْتَاجُ إِلَيْهِ للتَّمَكُّنِ مِنَ الانْتِفَاعِ كَزِمَامِ الجَمَلِ والبَرْذَعَةِ والحِزَامِ واليَالاَنِ والتَّوْطِيَةِ وشَدِّ المِحْمَلِ والرَّفِعِ والحَطِّ ولزُومِ البَعِيْرِ لِيَنْزِلَ لِصَلاَةِ الفَرِيْضَةِ ومَا جَرَتِ العَادَةُ أَنْ يُوطَأَ بِهِ المَرْكُوب للرَّاكِب، فَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى المُؤَجِّرِ، وكَذلِكَ مِفْتَاحُ الدَّارِ وعِمَارَةُ حِيْطَانِهَا وسُقُوْفِهَا وتَقْيِيْرِ الحَمَّامِ وعَمَلِ البَزْلِ وخُرُوجِ المَاءِ وعِمَارَةِ المسْتَوْقِدِ، كُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُ المُؤَجِّرَ، أَمَّا تَفْرِيْقُ البَالُوعَةِ والكَنِيْفِ فَيَلْزَمُ المُسْتَأْجِرَ إِذَا تَسَلَّمَهَا فَارِغَةً، وللمُكْتَرِي اسْتِيْفَاءُ المَنْفَعَةِ بِالمَعْرُوفِ بِنَفْسِهِ ولِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ مِمَّنْ يُؤَجِّرُهُ أَو يُعِيْرُهُ، وإِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضاً للزِّرَاعَةِ لِشَيءٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ مَا هُوَ دُوْنَهُ في الضَّرَرِ، ويَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ مَا اسْتَأْجَرَ بِمِثْلِ الإِجَارَةِ، والزِّيَادَةُ في إِحْدَى الرِّوَايَاتِ، ولاَ يَجُوزُ في الثَّانِيَةِ إِلاَّ بِإِذْنِ المُؤَجِّرِ، وَفِي الثَّالِثَةِ: إِنْ حَدَّدَ في العَيْنِ عِمَارَةً جَازَ أَنْ يُؤَجِّرَ بِالزِّيَادَةِ، وإِنْ لَمْ يُحَدِّدْ تَصَدَّقَ بالزِّيَادَةِ، ويَجُوزُ بَيْعُ العَيْنِ المُسْتَأْجَرَةِ مِنْ غَيْرِ المُسْتَأْجِرِ ولاَ تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ المُشْتَرِي بالإِجَارَةِ فَلَهُ الخِيَارُ إِذَا عَلِمَ في الفَسْخِ والإِمْضَاءِ، فَإِنْ بَاعَهَا مِنَ المُسْتَأْجِرِ فَهَلْ تُفْسَخُ الإِجَارَةُ؟ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. ولاَ تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ بِمَوْتِ أَحَدِ المُسْتَأْجِرَيْنِ، ولاَ تَنْفَسِخُ بِعُذْرٍ في حَقِّ المُسْتَأْجِرِ مِثلُ أَنْ يَكْتَرِيَ لِيَحِجَّ فَتَضِيْعُ نَفَقَتُهُ، أَو يَكْتَرِيَ دُكَّاناً لِيَبِيْعَ فِيهِ البُرَّ فَيَحْتَرِقَ مَتَاعُهُ، وإِذَا مَاتَ الجَمَّالُ أَو هَرَبَ في بَعْضِ الطَّرِيقِ وتَرَكَ الجِمَالَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالاً بَاعَ الفَاضِلَ عَنِ المُكْتَرَى مِنَ الجِمَالِ وأَنْفَقَهُ عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيْهَا فَضْلٌ اسْتَدَانَ عَلَيْهَا النَّفَقَةَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ جَازَ للمُكْتَرِي أَنْ يُنْفِقَ بِإِذْنِ الحَاكِمِ لِيَكُونَ دَيْناً عَلَيْهِ، فَإِنْ رَجَعَ الجَمَّالُ واخْتَلَفَا في النَّفَقَةِ فَالقَوْلُ قَوْلُ المُنْفِقِ، فَإِنْ أَنْفَقَ المُكْتَرِي مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الحَاكِمِ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى النَّفَقَةِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وإِنْ أَشْهَدَ بالرُّجُوعِ في النَّفَقَةِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وإِذَا وَصَلَ المُكْتَرِي إِلى المَكَانِ الَّذِي اكْتَرَى إِلَيْهِ رَفَعَ الأَمْرَ إلى الحَاكِمِ؛ لِيَبِيْعَ مَا يَرَى بَيْعَهُ ويَقْضِيَ دَيْنَ المُنْفِقِ ويَحْفَظَ البَاقِيَ للجِمَّالَ أَو لِوَرَثَتِهِ إِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلى مَكَانٍ فَجَاوَزَهُ فَعَلَيْهِ المُسَمَّى وأُجْرَةُ المِثْلِ للزِّيَادَةِ، وكَذلِكَ إِنِ اكْتَرَى بِحَمْلِ شَيءٍ فَحَمَلَ أَكْثَرَ مِنْهُ ذَكَرَهُ الخِرَقِيُّ، وذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ مَا بُذِلَ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ المِثْلِ للجَمِيْعِ فَإِنْ تَلِفَتْ البهيِمَّةُ في حَالِ زِيَادَةِ الطَّرِيْقِ أو الحَمْلِ ولَيْسَتْ في يَدِ صَاحِبِهَا فَعَلَى المُكْتَرِي كَمَالُ قِيْمَتِهَا، وإِنْ كَانَتْ في يَدِ صَاحِبِهَا احْتَمَلَ أَنْ يُلْزِمَهُ كَمَالَ قِيْمَتِهَا أَيْضاً، واحْتَمَلَ أَنْ يُلْزِمَهُ نِصْفَ قِيْمَتِهَا. وَإِذَا ضَرَبَ الدَّابَّةَ أَو كَبَحَهَا باللِّجَامِ بِمِقْدَارِ العَادَةِ فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وكَذلِكَ الحُكْمُ في الرَّائِضِ، والمُعَلِّمِ إِذَا ضَرَبَ الصَّبِيَّ، والزَّوْجِ إِذَا ضَرَبَ زَوْجَتَهُ في النُّشُوزِ، ولاَ ضَمَانَ عَلَى الأَجْيرِ المُشْتَرِكِ فِيْمَا لَمْ تَجْنِ يَدُهُ كَالقَصَّارِ والحَدَّادِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ وأَبِي بَكْرٍ، وَعَنْهُ: أنَّ عَلَيْهِ الضَّمَانَ، وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ الهَلاَكُ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ كالحَرِيْقِ واللُّصُوصِ فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وإِنْ كَانَ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ كالضَّيَاعِ ضَمِنَ. فَأَمَّا مَا جَنَتْ يَدُهُ فَيَضْمَنُ، نَصَّ عَلَيْهِ، ويُتُخَرَّجُ أَنْ لاَ يَضْمَنَ بِنَاءً عَلَى مَا إِذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ فَأَقْضَاهَا أو اقْتَصَّ مِنْ عُضْوٍ فَمَاتَ المُقْتَصُّ مِنْهُ. وأمَّا الأَجِيْرُ الخَاصُّ: وَهُوَ الَّذِي يُسَلِّمُ نَفْسَهُ إلى المُسْتَأْجِرِ للعَمَلِ فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيْمَا جَنَتْ يَدُهُ، إلاَّ أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ تَعَمَّدَ الجِنَايَةَ. وإِذَا أَتْلَفَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ بَعْدَ عَمَلِهِ فَمَالِكُ الثَّوْبِ بِالخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ إِيَّاهُ غَيْر مَعْمُولٍ ولاَ أُجْرَةَ عَلَيْهِ وبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ إِيَّاهُ مَعْمُولاً ويَدْفَعُ إِلَيْهِ أُجْرَتَهُ، فَإِنْ تَمَلَّكَ الثَّوْبَ مِنْ حِرْزِهِ فَلاَ أُجْرَةَ لَهُ، فَإِنْ حَبَسَهُ عَلَى الأُجْرَةِ فَتَلِفَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، ولاَ ضَمَانَ عَلَى حَجَّامٍ ولا خَتَّانٍ ولا مُتَطَبِّبٍ ولاَ بَزَّاغٍ إذَا لَمْ تَجْنِ أَيْدِيْهِمْ، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الإِجَارَةِ وَفِي الأَرْضِ غِرَاسٌ أو بِنَاءٌ لَمْ يَشْتَرِطْ في عَقْدِ الإِجَارَةِ قَلَعَهُ عِنْدَ انْقِضَائِهَا فَالمُؤَجِرُ بالخِيَارِ بَيْنَ تَرْكِهِ بالأُجْرَةِ وبَيْنَ قَلْعِهِ ويَضْمَنُ مَا يَقُصُّ، فَإِنْ كَانَ في الأَرْضِ زَرْعٌ وَلَمْ يَكُنْ بَقَاؤُهُ بِتَفْرِيْطٍ مِنَ المُسْتَأْجِرِ لَزِمَ المُؤَجِّرُ تَرْكُهُ بالأُجْرَةِ، فَإِنْ كَانَ بَقَاؤُهُ بِتَفْرِيْطٍ مِنَ المُسْتَأْجِرِ فللمؤجر أَخْذُهُ بالقِيْمَةِ أو تَرْكُهُ بالأُجْرَةِ. وَإِذَا دَفَعَ إِلى خَيَّاطٍ ثَوْباً لِيُفَصِّلَهُ واخْتَلَفَا فَقَالَ المَالِكُ:أَمَرْتُكَ بِتَفْصِيْلِهِ قُبَّاء، وَقَالَ الخَيَّاطُ: بَلْ أَمَرْتَنِي بِقَطْعِهِ قَمِيْصاً فَالقَوْلُ قَوْلُ الخَيَّاطِ مَعَ يَمِيْنِهِ، وإِذَا اسْتَأْجَرَ دَاراً سَنَةً في أَثْنَاءِ الشَّهَرِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي أَحَدَ عَشَرَ شَهْراً بالأَهِلَّةِ وشَهْراً بالعَدَدِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: يَسْتَوْفِي الجَمِيْعَ بالعَدَدِ. .باب مَا يَصِحُّ من الإِجَارَةِ ومَا لاَ يَصِحُّ: ولاَ يَجُوزُ عَقْدُ الإِجَارَةِ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ كَالغِنَاءِ والزَّمْرِ ونَحْوِهِ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ الخَمْرِ والخِنْزِيْرِ والمَيْتَةِ لَمْ يَصِحَّ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ويَصِحُّ في الأُخْرَى، ويُكْرَهُ لَهُ أَكْلُ أُجْرَتِهِ، ولاَ يَصِحُّ إِيْجَارُ دَارِهِ لِمَنْ يَتِّخِذُهَا كَنِيْسَةً أو بَيْعَةً أو يَبِيْعُ فِيْهَا الخَمْرَ، وتَصِحُّ إِجَارَتُهَا لِمَنْ يَتَّخِذُهَا مَسْجِداً، وإِذَا اسْتَأْجَرَ لِحَجْمِهِ لَمْ يَصِحَّ في قَوْلِ شَيْخِنَا، وعِنْدِي: أَنَّهُ يَصِحُّ ويُكْرَهُ للأَجِيْرِ أَكْلُ الأُجْرَةِ، ويَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَهَا عَبْدَهُ ونَاصِحَهُ. ولاَ يَجوز اسْتِئْجَارُ الفَحْلِ للضَّرْابِ والكَلْبِ للصَّيْدِ في ظَاهِرِ المَذْهَبِ، ويُتَخَرَّجُ الجَوَازُ، ولاَ يَجُوزُ الاسْتِئْجَارُ عَلَى الآذَانِ والصَّلاَةِ والحَجِّ وتَعْلِيْمِ القُرْآنِ والفِقْهِ في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، ويَجُوزُ في الأُخْرَى. ولاَ يَجُوزُ إِجَارَةُ المُصْحَفِ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، ويَجُوزُ في الآخَرِ، ويَجُوزُ إِجَارَةُ كُتُبِ الفِقْهِ واللُّغَةِ والشِّعْرِ، ولاَ يَجُوزُ إِجَارَةُ الحُلِيِّ بأُجْرَةٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: يَصِحُّ مَعَ الكَرَاهِيَّةِ، ولاَ يَجُوزُ إِجَارَةُ المَتَاعِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أبو حَفْصٍ العكْبُرِيُّ: يَصِحُّ، وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ – رَحِمَهُ اللهُ – ولا يَجُوزُ إِجَارَةُ المُسْتَعَارِ إلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ المَالِكُ في مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، ويَصِحُّ إِجَارَةُ الوَقْفِ، فَإِنْ مَاتَ مُؤَجِّرُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الإِجَارَةِ فانْتَقَلَ إلى مَنْ شَرَطَ لَهُ بَعْدَهُ لَمْ تَنْفَسِخْ الإِجَارَةُ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، ويأْخُذُ المنْتَقِلُ إِلَيْهِ الوَقْفَ حِصَّتَهُ مِنَ الأُجْرَةِ من يَوْمِ مَوْتِ الأَوَّلِ. والوَجْهُ الآخَرُ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ بالمَوْتِ في حَقِّ الغَيْرِ لا ناسِياً أَنَّهُ أَجَّرَ حَقَّهُ وحَقَّ غَيْرِهِ فَصُحَّ في حَقِّهِ وبَطَلَ في حَقِّ غَيْرِهِ ويَجُوزُ اسْتِئْجَارُ حَائِطٍ يَضَعُ عَلَيْهِ خَشَبَةً، ويَصح اسْتِئْجَارُ زَوْجَتِهِ لِرِضَاعِ وَلَدِهِ وَحَضَانَتِهِ ولاَ يَجوز للمَرْأَةِ إِيْجَارُ نَفْسِهَا للرَّضَاعِ والخِدْمَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا، ويَصِحُّ اسْتِئْجَارُ وَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ، ويَجُوزُ للوَلِيِّ إِجَارَةُ اليَتِيْمِ، فَإِنْ بَلَغَ في مُدَّةِ الإِجَارَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الفَسْخُ وكَذلِكَ إِذَا أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ في المُدَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الفَسْخُ، ويَجُوزُ اسْتِئْجَارُ شَرِيْكِهِ لِخِيَاطَةِ ثَوْبِهِ أو حَمْلِ مَتَاعِهِ، ويَجُوزُ إِجَارَةُ الدَّرَاهِمِ والدَّنَانِيْرِ للوَزْنِ، فَإِنْ أَطْلَقَ الإِجَارَةَ فَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ يصِحُّ ويكونُ قَرْضاً، وعِنْدِي: إِنَّمَا تَصِحُّ ويُنْتَفَعُ بِهَا في الوَزْنِ وتحِلْيَةِ المَرْأَةِ. ويَجُوزُ الاسْتِئْجَارُ عَلَى القِصَاصِ في النَّفْسِ والطَّرفِ والأُجْرَةُ عَلَى المُقْتَصِّ مِنْهُ، وإِذَا قَالَ لَهُ: إِنْ خِطْتَ لي هَذَا الثَّوْبَ اليَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وإِنْ خِطْتَهُ غَداً فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ لَمْ تَصِحَّ الإِجَارَةُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وتَصِحُّ في الأُخْرَى، فَإِنْ قَالَ: إِنْ خِطْتَهُ رُوْمِيّاً فَلَكَ دِرْهَمٌ، وإِنْ خِطْتَهُ فَارِسِيّاً فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى المَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وكَذلِكَ إِذَا قَالَ: أجَرْتُكَ هَذَا الحَانُوتَ إِنْ قَعَدْتَ فِيهِ خَيَّاطاً بِخَمْسَةٍ، أو حَدَّاداً بِعَشرَةٍ يُخَرَّجُ عَلَى الوَجْهَيْنِ، فَإِنْ أَكْرَاهُ دَابَّةً فَقَالَ: إِنْ رَدَدْتَهَا اليَوْمَ فَكِرَاهَا خَمْسَةٌ، وإِنْ رَدَدْتَهَا غَداً فَكِرَاهَا عَشرَةٌ، فَقَالَ في رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ: لاَ بَأْسَ، وكَذلِكَ نَقَلَ أَبو الحَارِثِ في رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً عَشرَةَ أَيَّامٍ بِعَشرَةِ دَرَاهِمَ، فَإِنْ حَبَسَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ بِكُلِّ يَومٍ دِرْهَمٌ فَهُوَ جَائِزٌ، وَقَدْ تَأَوَّل شَيْخُنَا هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ، وجَائِزٌ في الأَوَّلِ، ويَبْطُلُ في الثَّانِي، والظَّاهِرُ: أَنَّ قَوْلَهُ يَرْجِعُ إلى مَا فِيهِ الإشْكَالُ، وإِذَا اسْتَأْجَرَ لِحَمْلِ كِتَابٍ إِلى صَاحِبٍ لَهُ بِمَكَّةَ بِحَمْلِهِ فَوَجَدَ الصَّاحِبَ مَيِّتاً فَرَدَّهُ إِلَيْهِ اسْتَحَقَّ الأُجْرَةَ، وإِذَا دَفَعَ ثَوْبَهُ إلى قَصَّارِ أو خَيَّاطٍ لِيَقْصُرَهُ ويَخِيْطَهُ ففَعَلاَ ذَلِكَ فَلَهُمَا أُجْرَةُ المِثْلِ، وإِنْ لَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ عَقْدَ الإِجَارَةِ، وكَذلِكَ إِذَا دَخَلَ حَمَّاماً أو قَعَدَ مَعَ مَلاَّحٍ إِلَى مَوْضِعٍ وتَجِبُ الأُجْرَةُ في الإِجَارَةِ بِنَفْسِ العَقْدِ فَإِنْ شَرَطَ تَأْجِيْلَهَا جاز، وكَذلِكَ يَجِبُ مِنْ نَقْدِ بَلَدٍ العَقْد إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ نَقْدَ بَلَدٍ آخَرَ. .كِتَابُ الجُعَالَةِ ورَدِّ الآبِقِ: .كِتَابُ السَّبْقِ والنِّضَالِ: وأمَّا المُسَابَقَةُ بِالأَقْدَامِ والبِغَالِ والحَمِيْرِ والفِيَلَةِ والطُّيُورِ والرِّمَاحِ والمَزَارِيْقِ والسِّمَّارِيَّاتِ والمُصَارَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، ولاَ يَجُوزُ بِعِوَضٍ، ولا تَجُوزُ المُسَابَقَةُ بَيْنَ جِنْسَيْنِ، كَالإِبِلِ والخَيْلِ، ولاَ عَلَى نَوْعَيْنِ عَرَبِيٍّ وهَجِيْنٍ، ويُتَخَرَّجُ الجَوَازُ بِنَاءً عَلَى تَسَاوِيْهِمَا فِي السَّهْمِ، ولا بُدَّ مِنْ تَعْيِيْنِ الفَرَسَيْنِ وتَحْدِيْدِ المَسَافَةِ وَالسَّلَمِ بِالعِوَضِ، فَإِنْ كَانَ العِوَضُ مِنَ الإِمَامِ أو مِنْ أَحَدِ المُتَسَابِقَيْنِ أو مِنْ آحَادِ الرَّعِيَّةِ عَلَى أنَّ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا أَخَذَهُ جَازَ، فَإِنْ جَاءا مَعاً فَلاَ شَيءَ لَهُمَا، فَإِنْ كَانَ مِنَ المُتَسَابِقَيْنِ عَلَى مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا أَحْرَزَ الْجَمِيْعَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُدْخِلاَ مَعَهُمَا مُحَلَّلاً يُكَافِئُ فَرَسَهُ فَرَسَيْهِمَا ورَمْيَهُ رَمْيَهُما، فَإِنْ سَبَقَهُمَا أَحْرَزَ سَبْقَيْهِمَا، وإِنْ سَبَقَاهُ لَمْ يَأْخُذَا مِنْهُ شَيْئاً، وأَخَذَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمَا سَبْقَ صَاحِبِهِ، وإِنْ سَبَقَ أحَدُهُمَا أَحْرَزَ السَّبْقَيْنِ، فَإِنْ سَبَقَ مَعَ المُحَلِّلِ أَحْرَزَ سَبْقَ نَفْسِهِ ويَكُونُ السَّبْقُ المُتَأَخِّرِ بَيْنَهُ وبَيْنَ المُحَلِّلِ نِصْفَيْنِ، فَإِنْ قَالَ الإِمَامُ: مَنْ سَبَقَ فَلَهُ عَشرَةٌ، ومَنْ صَلاَ فَلَهُ كَذلِكَ لَمْ تَصِحَّ المُسَابَقَةُ، فَإِنْ قَالَ: مَنْ صَلاَ فَلَهُ خَمْسَةٌ صَحَّتِ المُسَابَقَةُ، وإِنْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا أَطْعَمَ السَّبْقُ أَصْحَابَهُ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وهَلْ تَبْطُلُ المُسَابَقَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ، والآخَرُ: تَصِحُّ، ويُمَلَّكُ السَّبْقُ فَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَهُ، وإِنْ شَاءَ أَحْرَزَهُ. والسَّبْقُ في الخَيْلِ أَنْ تَسْبَقَ أَحَدُهُمَا بالرَّأْسِ إِذَا تَمَايلَتْ الهَوَادي – وَهِيَ الأَعْنَاقُ -، فَإِنِ اخْتَلَفَا في طُوْلِ العُنُقِ أو كَانَ ذَلِكَ في الإِبِلِ اعْتُبِرُ السَّبْقُ بِالكَامِلِ - وَهُوَ الكَتِفُ -. وإِذَا هَلَكَ أَحَدُ المَرْكُوبَيْنِ قَبْلَ الغَايَةِ بَطَلَ العَقْدُ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الرَّاكِبَيْنِ قَامَ وَارِثُهُ مُقَامَهُ، فَإِنْ عُدِمَ الوَارِثُ اسْتَأْجَرَ الحَاكِمُ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ وَلَيْسَ لأَحَدِ المُتَسَابِقَيْنِ أَنْ يُجَنِّبَ مَعَ فَرَسِهِ فَرَساً يُحَرِّضُهُ عَلَى العَدْوِ ولاَ يَرْكُضُ، ولاَ يَصِحُّ بِهِ. .باب المُنَاضَلَةِ: ومِنْ صِفَاتِ الإِصَابَةِ: مَوَارِقُ: وَهِيَ الَّتِي تُنْفِذُ الغَرَضَ، وخَوَارِمُ: وَهِيَ الَّتِي تَخْرُمُ الغَرَضَ، وَلَيْسَتْ مِنْ شَرَائِطِ المُنَاضَلَةِ، وأَنْ يَكُونَ الَّذِي بَيْنَ الغَرَضَيْنِ مَعْلُوماً مُقَدَّراً بما جَرَتْ بِهِ العَادَةُ مِنْ مِئَتَي ذِرَاعٍ إِلَى ثلاثِ مئة ذراع، فَإِنْ قَالاَ السَّبْقَ لأَبْعَدِنَا رَمْياً مِنْ غَيْرِ تَقْدِيْرٍ لَمْ يَصِحَّ، ولاَ بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ طُوْلِ الغَرَضِ وعَرْضِهِ وسُمْكِهِ وارْتِفَاعِهِ مِنَ الأَرْضِ ومَعْرِفَةِ الرَّمْيِ هَلْ هُوَ مُنَاضَلَةٌ أو مُحَاطَّةٌ أو مُبَادَرَةٌ. فَالمُنَاضَلَةُ: اشْتِرَاطُ إِصَابَةِ عَدَدٍ مِنْ عدَدِ فَوْقِهِ كإِصَابَةِ عَشرَةٍ مِنْ عِشْرِيْنَ عَلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَا مِنْهُمَا، فَإِنْ تَسَاوَيَا في الإِصَابَةِ أَحْرَزَا سَبْقَهُمَا، فَإِنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا تِسْعَةً والآخَرُ عَشرَةً أو أَكْثَرَ فَقَدْ نَضَلَهُ. والمُحَاطَّةُ: أَنْ يَشْتَرِطَا حَطَّ مَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ مِنَ الإِصَابَةِ في رَشْقٍ مَعْلُومٍ، وإِذَا فَصَلَ أَحَدُهُمَا بِإِصَابَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدْ سَبَقَ صَاحِبَهُ، بَيَانُهُ أَنْ يَجْعَلَ الرِّشْقَ عِشْرِيْنَ ثُمَّ يُسْقِطَا مَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ مِنَ الإِصَابَةِ، ويُفَضِّلُ لأَحَدِهِمَا خَمْسَةً أو ثَلاَثَةً أو مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا ينْقصَانِ عَلَيْهِ. فَأَمَّا المُبَادَرَةُ: فَأَنْ يَشْتَرِطَا إِصَابَةً مَعْلُومَةً مِنَ الرَّشْقِ فَأَيُّهُمَا بَدَرَ إِلَيْهَا مَعَ تَسَاوِيْهِمَا في الرَّمْيِ فَقَدْ سَبَقَ ولاَ يَلْزَمُ إِتْمَامَ الرَّشْقِ بيانُه إِنْ يَشْتَرِطَا أَنَّ مَنْ سَبَقَ إلى خَمْسِ إِصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِيْنَ رَمْيَةً، فَيَرْمِي كُلُّ وَاحِدٍ عَشرَةً فَيُصِيْبُ أَحَدُهُمَا خَمْسَةً، والآخَرُ أَرْبَعَةً؛ فيَكُونُ الأَوَّلُ سَابِقاً، ولاَ يَفْتَقر في النِّضَالِ إلى تَعْيِيْنِ القَوْسِ والسِّهَامِ إِذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَأَمَّا إِنْ تَنَاضَلاَ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا عَنْ قَوْسٍ عَرَبِيٍّ، والآخَرُ عَنْ قَوْسٍ فَارِسِيٍّ لَمْ يَصِحَّ العَقْدُ، ولاَ بُدَّ مِنْ تَعْيِيْنِ المُبْتَدِئِ بالرَّمْيِ، فَإِنْ أَطْلَقَا ثُمَّ تَرَاضَيا بَعْدَ العَقْدِ جَازَ، وإِنْ تَشَاحَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وقَالَ شَيْخُنا: يُقَدَّمُ مَنْ لَهُ مَزِيَّةٌ بِإِخْرَاجِ السَّبْقِ. والسُّنَّةُ في النِّضَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا غَرَضَانِ، فَإِذَا بَدَأَ أَحَدُهُمَا بِغَرَضٍ بَدَأَ الآخَرُ بِالثَّانِي، وإِذَا عَرَضَ لأَحَدِهِمَا عَارِضٌ مِنْ قَطْعِ وَتَرٍ أو كَسْرِ قَوْسٍ أو هُبُوبِ رِيْحٍ شَدِيْدَةٍ تَرُدُّ السَّهْمَ عَرْضاً لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ بذَلِكَ السَّهْمُ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ النِّضَالُ، وإِنْ عَرَضَ ظُلْمَةٌ أو مَطَرٌ جَازَ تَأْخَيْرُ الرَّمْيِ، وإِنْ أَطَارَتِ الرِّيْحُ الغَرَضَ فَوَقَعَ السَّهْمُ في مَوْضِعِهِ، فَإِنْ كَانَ شَرْطُهُمُ الإِصَابَةُ احْتُسِبَتْ لَهُ، وإِنْ كَانَ شَرَطُهُمْ خَوَاسِقَ أو خَوَارِقَ لَمْ يُحْتَسَبْ، ويُكْرَهُ للأَجِيْرِ والشُّهُودِ مَدْحُ أَحَدِ المُتَنَاضِلَيْنِ وَزَهْزَهَتُهُ؛ لأَنَّ فِيهِ كَسْرَ قَلْبِ صَاحِبِهِ. .كِتَابُ الوَدِيْعَةِ: وَقَالَ شَيْخُنا: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ دَفَعَ الوَدِيْعَةَ إِلَى مَنْ في دَارِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ أو أَمَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ وإِنْ دَفَعَهَا إلى أَجْنَبِي لِيَحْفَظَهَا ضَمِنَ، وَلَيْسَ لِلِمَالِكٍ مُطَالَبَةُ الأَجْنَبِي عَلَى ظَاهِرِ كَلاَمِهِ في رِوَايَةِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ هَانِئ، وَقَالَ شَيْخُنَا: يَضْمَنُ أَيَّهُمَا شَاءَ، وإِذَا تَدَاعَيَا تَعَدَّى في الوَدِيْعَةِ، مِثْلُ: إِنْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا، أَو ثَوْباً فَلَبِسَهُ، أو دَرَاهِمَ فَأَخْرَجَهَا لِيُنفِقَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا، أَو جَحَدَ الوَدِيْعَةَ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا، أو كَانَ كِيْساً مَخْتُوماً فَكَسَرَ خَتْمَهُ وفَتَحَهُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ في جَمِيْعِ ذَلِكَ، وإِنْ أَوْدَعَهُ دَرَاهِمَ صِحَاحاً فَخَلَطَهَا في مُقَطَّعَةٍ لَمْ يَضْمَنْ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ وأَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ في رِوَايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ: إِذَا اسْتَوْدَعَ دَرَاهِمَ بِيْضاً فَخَلَطَهَا في سُودٍ ضَمِنَ، ومَعْلُومٌ أَنَّهَا تَثْمِيْنَ فَتُخَرَّجُ المَسْأَلَتَانِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَإِنْ أَخَذَ بَعضَها فَأَنْفَقَهُ وَرَدَّ بَدَلَهُ ضَمِنَ الكُلَّ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: يَضْمَنُ مِقْدَارَ مَا أَخَذَ، فَإِنْ أَرَادَ سَفَراً مَخْوفاً فَدَفَعَ الوَدِيْعَةَ في دَارِهِ وأَعْلَمَ بِهَا ثِقَةً يَسْكُنُ في الدَّارِ ضَمِنَ في أحَدِ الوَجْهَيْنِ، والآخَرُ لا يَضْمَنُ، فَإِنْ أَوْدَعَهُ بَهِيْمَةً فَلَمْ يَعْلِفْهَا حَتَّى مَاتَتْ ضَمِنَ، فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بإِذْنِ الحَاكِمِ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ، وإِنْ أَنفقَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ مُحْتَسِباً عَلَى المَالِكِ، فَهَلْ يَرْجِعُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ نَهَاهُ المَالِكُ عَنْ عَلْفِهَا فَلَمْ يَعْلِفْهَا حَتَّى مَاتَتْ أَثِمَ وَلَمْ يَضْمَنْ، فَإِنْ أَوْدَعَ صَبِيّاً وَدِيْعَةً فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ، وإنْ أَتْلَفَهَا الصَّبِيُّ، قَالَ شَيْخُنا: يَضْمَنُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لا يَضْمَنُ، فَإِنْ أَوْدَعَ صَبِيٌّ مَالاً عِنْدَ بَالِغٍ ضَمِنَهُ البَالِغُ، وَلَمْ يَبْرَأْ إِلاَّ بالتَّسْلِيْمِ إلى وَلِيِّهِ، فَإِنْ أَوْدَعَ عَبْداً وَدِيْعَةً فَأَتْلَفَهَا ضَمِنَ ويَكُونُ في رَقَبَتِهِ، وإِذَا تَلِفَتِ الوَدِيْعَةُ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ فلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ. .بَابٌ في تَدَاعِي المُوْدِعِ والمُوْدَعِ: .كِتَابُ العَارِيَةِ: وإِذَا حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرَ الرَّجُلِ إلى أَرْضِ آخَرَ فَنَبَتَ فَالزَّرْعُ لِمَالِكِ البَذْرِ يبقَى حَتَّى يُسْتَحْصَدَ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ المِثْلِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ قَلْعَهُ، وَقِيلَ: هُوَ لِصَاحِبِ الأَرْضِ، وَعَلَيْهِ قِيْمَةُ البَذْرِ. وإِذَا أَعَارَهُ حَائِطاً لِيَضَعَ عَلَيْهِ أَطْرَافَ خَشَبَةٍ لَمْ يَكُنْ للمُعِيْرِ الرُّجُوعُ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِالمُسْتَعِيْرِ مَا دَامَ الخَشَبُ عَلَى الحَائِطِ، فَإِنِ انْهَدَمَ الحَائِطُ أو وَقَعَ الخَشَبُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ إِلاَّ بِإِذْنٍ مُسْتَأْنَفٍ، فَإنْ أَعَارَهُ أَرْضاً للدَّفْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَبْلَ المَيِّتُ، كَذلِكَ إِنْ أَعَارَهُ سَفِيْنَةً فَحَمَلَ فِيْهَا مَتَاعَهَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِتَفْرِيْغِهَا مَا دَامَتْ في لُجَّةِ البَحْرِ، وكُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ في مَالِهِ جَازَ لَهُ إِعَارَتُهُ. والعَارِيَةُ مَضْمُونَةٌ بِقِيْمَتِهَا يَومَ التَّلَفِ بِكُلِّ حَالٍ نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ أبُو حَفْصٍ العُكْبُرِيُّ: إِنْ شَرَطَ نَفْيَ الضَّمَانِ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَيْهِ في رِوَايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ، فَإِنْ تَلِفَتْ أَجْزَاؤهَا بالاسْتِعْمَالِ كَحَمْلِ المِنْشَفَةِ والطَّنْفِسَةِ والقَطِيْفَةِ فَهَلْ يَضْمَنُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَيْسَ للمُسْتَعِيْرِ أَنْ يُعِيْرَ، فَإِنْ خَالَفَ وأَعَارَ فَتَلِفَتْ عِنْدَ الثَّانِي فَضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الأَوَّلِ، وإِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ دَابَّةً فَرَكِبَهَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ المَالِكُ: أَجَرْتُكَهَا فَادْفَعْ إِلَيَّ أُجْرَةَ الرُّكُوبِ، وَقَالَ الرَّاكِبُ: بَلْ أَعَرْتَنِي، فَالقَوْلُ قَوْلُ المَالِكِ مَعَ يَمِيْنِهِ ولَهُ أُجْرَةُ المِثْلِ، فَإِنْ قَالَ المَالِكُ: أَعَرْتُكَهَا، وَقَالَ الرَّاكِبُ: بَلْ أَجَرْتَنِي فَالقَوْلُ قَوْلُ المَالِكِ، وَكَذَلِكَ إِنْ قَالَ المَالِكُ غَصَبْتَنِي وَقَالَ الرَّاكِبُ: بَلْ أَعَرْتَنِي فَالقَوْلُ قَوْلُ المَالِكِ، وَقِيلَ: بَلْ القَوْلُ قَوْل للرَّاكِبِ. وإِذَا اخْتَلَفَ المُعِيْرُ والمُسْتَعِيْرُ في رَدِّ العَارِيَةِ فَالقَوْلُ قَوْلُ المُعِيْرِ، وعَلَى المُسْتَعِيْرِ مَؤُنَةُ رَدِّ العَارِيَةِ إِلى مَالِكِهَا، فَإِنْ رَدَّ العَارِيَةَ إِلى مَالِكِهَا، و رَدَّ الدَّابَّةَ المُسْتَعَارَةَ إلى اسْطَبْلِ المَالِكِ أو إلى غلامِهِ لَمْ يبرأ مِنَ الضَّمَانِ.
|